الثلاثاء، 8 يوليو 2014

ماذا يبقى منه للتاريخ.. ولماذا؟

بقلم: د. سعاد الصباح
من كتاب (صقر الخليج.. عبدالله مبارك الصباح)



في الفصول السابقة من هذا الكتاب، حاولت أن أرسم بكل حياد وموضوعية صورة لعبدالله مبارك في إطارها العلمي، معتمدة على كل الوثائق والمراجع والمصادر المتاحة، التي تحدثت عن الرجل وعن عصره وأعماله وملامحه الخارجية.
إن هذه الفصول توضح بجلاء كيف كان عبدالله مبارك رائدًا من رواد التحديث والتقدم في سائر مجالات الحياة؛ فعلى مستوى الفكر، تمتع الشيخ بشمولية التوجه، فكان يحيط بأي موضوع من كل جوانبه.. نرى ذلك مثلاً في بناء الجيش وكيف سعى لاستكمال تطوير القدرات العسكرية للكويت في مختلف جوانبها، ونراه أيضًا في فهمه لجوهر الاستقلال الوطني وأنه يتمثل في بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القادرة على الإنجاز والأداء، وتوفير الكوادر والعناصر البشرية المؤهلة لإدارتها، وترتب على ذلك اهتمامه بالتعليم والبعثات الخارجية.
وعلى مستوى التطبيق، تمتع الشيخ بالقدرة على المواءمة بين ما تتطلبه العلاقة مع بريطانيا من توازنات، والسعي في نفس الوقت لتوسيع دائرة حرية الحركة الخارجية للكويت.
وأفصحت ممارساته عن درجة عالية من مرونة التكتيك في إطار استمرارية الاستراتيجية والتوجه. وعلى سبيل المثال، نلاحظ ذلك في تطويره لعلاقات الكويت مع الدول العربية، وفي دعمه للجيشين المصري والسوري، وفي علاقته بجمال عبدالناصر وثورة 1952. كما نلاحظه في حرصه على فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة في وقت مبكر.
وهكذا، فإن الصورة التي ترسمها صفحات الكتاب هي لرجل دولة عمل في ظروف شاقة للغاية، وسعى لبناء مؤسسات الدولة الحديثة، ولتوسيع دائرة الحركة للكويت في وقت كانت لندن تبدو فيه «سيد الخليج غير المنازَع».
فماذا يبقى من هذا الرجل للتاريخ؟ ولماذا؟
إن الرجل العام يبقى في سجل الوطن بقدر ما تبقى إنجازاته شاهدة على ما قدم لبلاده، ويبقى في ذاكرة الشعب بقدر ارتباط ممارساته بالمبادئ والقيم الأخلاقية. ويقدم الشيخ عبدالله مبارك نموذجًا لرجل الدولة الذي التزم بالمبادئ في عمله السياسي، ولم يؤمن قط بأن «الغاية تبرر الوسيلة».
يبقى اسم عبدالله مبارك في ذاكرة الكويت رمزًا لمعاني التحديث والتنمية وإدارة عملية التغيير الاجتماعي في ظروف جد صعبة ومرهقة. وإذا كانت إدارة عملية التغيير الاجتماعي من أكثر الأمور صعوبة عمومًا، وأدت في بعض البلاد إلى حدوث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، فإن حجم التحدي في الكويت كان أكبر وأعمق.
ويبقى اسم عبدالله مبارك في ذاكرة الكويت عنوانًا للعمل من أجل الاستقلال، وتوفير ظروفه ومتطلباته، والحفاظ على حقوق وطنه تجاه أطماع الآخرين، فكان سلوكه الشخصي رمزًا للاعتداد الوطني بالذات والثقة بالنفس، وكان سلوكه العام سعيًا دائبًا من أجل تحرير إرادة الكويت واستقلال قرارها الداخلي والخارجي.
ويبقى اسم عبدالله مبارك في ذاكرة الكويت تأكيدًا لأهمية الانفتاح على الخارج، والاستفادة من خبراته وعلمه وتقدمه، فقد أدرك الشيخ أهمية العلاقات الخارجية بالنسبة للكويت، وفتح أبواب الاتصال مع العالم من خلال التعليم والإذاعة والطيران.
وأخيرًا، يبقى اسم عبدالله مبارك في ذاكرة الكويت رمزًا لشموخ الرجل ولكبرياء السلطة وهيبتها لأنه احترم نفسه، واحترم المواقع التي شغلها في حكومة بلاده، وتصرف وهو خارج السلطة بمقتضى هذا المبدأ؛ لذلك فرض على الآخرين احترامه وتقديره[1].
ومهما استمرت نهضة الكويت وتقدمها وشموخها، فسوف يبقى اسم عبدالله مبارك أحد رموزها الشامخة وعلاماتها المضيئة...
إلا أن (الصورة الداخلية) لعبدالله مبارك الزوج، والأب، والإنسان بقيت محاطة بالظلال.
لذلك، سأحاول في هذه الخاتمة أن ألقي الضوء على العالم الداخلي لعبدالله مبارك.. هذا العالم الذي لا يقل ثراء، وخصوبة وتوهجًا عن عالمه الخارجي.
إن الذين لم يعرفوا من عبدالله مبارك سوى شخصية الرجل العام عرفوا فيه معاني القوة والصلابة والشجاعة والحزم....
لكن الذين أتيح لهم أن يلامسوه ويعرفوه عن قرب، شاهدوا كيف كانت الصخرة تتحول إلى جدول ماء.. والحديد إلى خيط حرير.. والغضب إلى ابتسامة... والعاصفة إلى بحيرة صافية..
لقد عشت معه زوجة لأكثر من ثلاثين عامًا، فاكتشفت أن جوهر رجولة الرجل تكون بقدرته على محبة الآخرين والعمل على إسعادهم.
وأشهد، أن أبا مبارك، أعطاني وأولادي من الحب والأبوة والحنان ما لا يعطيه سوى البحر الكبير.
لقد كان بحرًا لا ساحل له من الرقة... وكان جبلاً يمطر حنانًا... وكان فارسًا يتحول إذا ترجل عن حصانه إلى حمامة.
كانت الدمعة معلقة دائمًا بأجفانه، وكان إذا مرض ولد من أولاده بكى أمام سريره كطفل، وكان إذا سمعني أقرأ شعري يمتلئ زهوًا وكبرياءً.
إنه لم يقف أبدًا ضد طموحاتي العلمية، ولا ضد كتابتي، ولا ضد ظهوري في المناسبات الثقافية، بل كان يحترم عقلي ويثمّن خياراتي، ويرافقني إلى أية مدينة في العالم حتى أواصل تعليمي.
وبالرغم من جذوره البدوية، ونشأته الصحراوية، فقد كان يؤمن بحق المرأة في الحياة، والتطور، والعلم، والثقافة.
وكان دائمًا يفسح لي مكانا في مجالسه، ويخصص لي مكانًا في ديوانيته، ويستمع إلى آرائي وأفكاري بكل احترام وديمقراطية.
وإذا كان بعض الرجال يشعر بالحرج أو بالخجل أو بالغيرة أمام المرأة المثقفة أو المتعلمة أو المتكلمة، فإن أبا مبارك كان يعتز بأي نشاط ثقافي أقوم به وبأي كتاب يصدر لي، وبأي مؤتمر أشارك في أعماله.
ولن أنسى فضله ما حييت؛ فهو الذي شجعني على مواصلة سبيل العلم والفكر والأدب، وأحاطني بالاحترام في مجلسه... لقد كان سلوكه الحضاري هذا سمة بارزة في تاريخه، وشهادة كبيرة له في مواجهة القانون الذي ولد في خيمته، ثم تجاوزه. ولم يكن ذلك مجرد تقدير زوج لزوجه، وإنما أراد أن يضرب المثل لما يجب أن تكون عليه علاقة الزوج بالزوج، وبالآفاق الرحبة التي ينبغي على المرأة الكويتية أن ترتادها. لقد قدّر الشيخ المرأة قيمةً وإنسانًا، وتحولت عنده إلى رفيق درب، ووسام حياة يتباهى به ويزهو في شموخ الكبار الواثقين بالذات.
مثل هذه المواقف تكشف كم كان عبدالله مبارك طليعيًّا وحضاريًّا، مع نفسه ومع الآخرين. وكم كان أبو مبارك يدهشني في رؤيته الجديدة للعالم، وفي نبوءاته المستقبلية. إنه البدوي العريق الذي ارتدى ثوب الحداثة.
لقد عارك الشيخ الحياة واعتركته، وكم من مواقف صعبة مادية وجسمية ونفسية تعرّض لها، فواجهها بشجاعة الرجال وإقدام الفرسان دون تردد أو وجل أو خشية. وقد تركت هذه الأحداث بصماتها على جسد الرجل ونفسه، وزادته صلابة وقوة.
ولقد تعمدت أن أؤخر الإشارة إلى الأبناء وهم مبارك الابن الكبير (1961 - 1973)، ومحمد (1971)، وأمنية (1972)، ومبارك (1978)، وشيماء (1980)، والذين أرجو أن يكونوا جديرين بالاسم الذي يحملونه. كان أبوهم رجلاً كبيرًا؛ كبيرًا في الحكم، وأكبر وهو خارجه. ولم يسمح لأحد قط بأن يستدرجه إلى مزالق المهاترات وصغائر الأمور.
كانت حياته طويلة ومديدة وثرية بما أنجزه من أفعال، وعاش دائمًا مرفوع الرأس، معتزًّا بإسلامه وعروبته وكويتيته....
وبعد.. هذا هو عبدالله مبارك كما عرفته.. وبرحيل هذا الرجل الفريد والفذ رحل عصر من الرجولة، والشجاعة، والكرم، والوفاء، والمروءات.
عصر لا أتصور أنه سيتكرر بسهولة.
ومع أن هذا العصر قد انقضى ورحل فإن عبرته تظل معنا، والدروس التي نستلهمها من أحداثه تظل نبراسًا لمستقبل الكويت وهاديًا لشبابه ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
قصة حياة عبدالله مبارك هي قصة أحد أبناء الكويت الذين نذروا حياتهم من أجل الوطن.. وهي سيرة تقدم نموذجًا للاعتداد بالذات، والانتماء للشعب والوطن.
وأرجو عندما يطلع شباب الكويت على هذه الصفحات أن يجدوا فيها ما يثير الهمة، ويقوي الإرادة، ويدعم الحماسة والتصميم. فإذا كان عبدالله مبارك – وأبناء جيله – قد سعوا لبناء الكويت في ظروف جد صعبة ونجحوا في ذلك، فإن على الأجيال الجديدة استكمال البناء ومواصلة العمل.
والسبيل إلى ذلك يكمن في حب الوطن والانتماء إليه، ويكمن في الثقة في مستقبله، ويكمن، أخيرًا، في الاعتقاد برسالة الكويت بوصفها نموذجا سياسيا واجتماعيا جديرا بافتخار أبنائه به واقتداء الآخرين به.







هناك تعليق واحد:

  1. تحيات من النظام العظيم للإنليوميناتي إلى الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم ، هذه فرصة مفتوحة للانضمام إلى أخوة المتنورين حيث يمكنك استعادة أحلامك المفقودة ، وأيضًا حيث يمكنك رؤية ضوء الثروة والسعادة بدون أي تضحية بالدم. ونقوم أيضًا بدفع مبلغ 650.000 دولار أمريكي للترحيب بجميع الأعضاء الجدد أثناء انضمامهم إلى الأخوة وأيضًا منزل من اختيارهم وموقعه مع الاستثمارات ، إلى جانب هذه الفرصة في الحياة لكي يصبحوا مشهورين.

    الفوائد الممنوحة للأعضاء الجدد الذين ينضمون إلى ILLUMINATI.
    1. مكافأة نقدية قدرها 650.000 دولار أمريكي.
    2. سيارة أحلام أنيقة جديدة بقيمة 250.000 دولار أمريكي
    3. شراء منزل الأحلام في البلد الذي تختاره.
    شهر من التعيين مع أفضل 5 لاعبين في العالم ، دفع شهري قدره 1،000،000 دولار أمريكي إلى حسابك المصرفي كل شهر كعضو في Bohemian Grove.
    القادة وأهم 5 مشاهير في العالم. إذا كنت مهتمًا ، فيرجى الاتصال بعنوان البريد الإلكتروني السابق: greatilluminate99@gmail.com



    ملاحظة؛ هذه الأخوة المتنورين التي يمكنك الانضمام إليها من أي مكان في العالم ، الهند ، تركيا ، إفريقيا ، الولايات المتحدة ، ماليزيا ،
    دبي ، الكويت ، المملكة المتحدة ، النمسا ، ألمانيا ، أوروبا. آسيا ، أستراليا ، إلخ.


    تحيات معبد إيلوميناتي الولايات المتحدة

    ردحذف