عبدالله مبارك الصباح.. 22 عاماً على رحيل أحد أهم بُناة
الكويت الحديثة
·
قام بإنشاء إدارة تتولى
شؤون جوازات السفر والجنسية في 1948
·
تم تعيينه قائداً عاماً
للجيش والقوات المسلحة في 1954
·
صاحب الدور البارز في
المسؤولية عن القبائل والحكم في نزاعاتها
·
بدأ نشاطه العام وهو في
الثانية عشرة من عمره بحراسة سور الكويت
·
ترأس مجلس المعارف ما بين
1947 و1960
·
تبرع في العام 1959 بأرضه
في دسمان لإنشاء مبنى إدارة الصحة المدرسية
·
أصدر تعليماته بإقرار مشروع
سجل تاريخي يحتوي على الوثائق الخاصة بتاريخ الكويت
·
أدار جلسة "المعارف"
لمناقشة إنشاء جامعة الكويت في 1960
·
أطلق مجلة حماة الوطن
الشهرية في أكتوبر عام 1960
15 يونيو 1991، هو التاريخ الذي بكت فيه الكويت سمو
الشيخ عبدالله مبارك الصباح أصغر أنجال مبارك الكبير، رجل الدولة وأحد صناع نهضة
الكويت الحديثة ومؤسس من مؤسسي الدولة وقطب فاعل بقلب الجهاز الإداري في الدولة
خلال ثلاثة عقود من الزمن.
ودّع الكويتيون في ذلك اليوم رجلاً، كتب اسمه على سور
الكويت وأبجدية بنائها الحديث.
وها نحن اليوم نستحضر ذكرى ذلك الرجل بعد مرور 22 عاماً
على وداعه المهيب.. فما كاد يطمئن على نيل الكويت حريتها من الاحتلال حتى ودع
الحياة، لكنه بقي حياً في نفوس محبيه ومعاصريه.. الذين يذكرون كرمه المقرون
بالمهابة.
ولد عبدالله المبارك في 23 أغسطس (آب) 1914، وهو نجل
مؤسس دولة الكويت الحديثة الشيخ مبارك الكبير، وقد أحب عبدالله المبارك الكويت الطيّبة، وأخلص لها،
ودافع عنها وذاد عن حياضها لترفرف رايتها عالية خفاقة، واضطلع بمهام الرجال منذ أن
كان في الثانيةَ عشرة من العمر، حتى وصل إلى مكانته المرموقة نائباً للحاكم، وهو من
قلائل الرجال في التاريخ العربي ممن زهدوا بالحكم، حيث اعتزل العمل السياسي وهو في
أوج عطائه عام 1961.
عبدالله المبارك من مؤسّسي الكويت الحديثة، ممن
خطّطوا وشَيَّدوا وعَمَّروا وأقاموا الدعائم الأساسية لكويت الحاضر.
الشخصية الاستثنائية لهذا الرجل ظهرت في مجتمع
تقليدي فيه ما فيه من القيود والمعيقات، وقد تطلع عبدالله المبارك إلى آفاق رحبة، ودعم
قوى التغيير في الكويت، بل صنعها في عديد من المجالات.
أصغر أبناء الشيخ مبارك الكبير مؤسس الكويت،
ومنذ بداية العشرينيات من القرن الماضي -وتحديداً عندما تولى الشيخ أحمد الجابر
الحكم في العام 1921- كان عبدالله المبارك عَمّاً لمن تولوا إمارة الكويت، رغم
تعبيره الصريح بالولاء والطاعة لهم، واعتبارهم منارات تهتدى عنده.
ولا يخفى على ذي نظر دور الشيخ عبدالله المبارك
في إنشاء الأندية والجمعيات الثقافية التي مثلت اللبنات الأولى في بناء المجتمع
المدني في الكويت، وهو من هو في كويت الخمسينيات من حيث دوره في اتخاذ القرار
وإدارة العلاقة بين أسرة الحكم في الكويت والشعب والمحيط العربي والإقليمي
والمملكة المتحدة والعالم.
يشهد السياسيون
المطلعون على مرحلة الخمسينيات والستينيات بالأيادي البيضاء لعبدالله المبارك في
توطيد العلاقات الكويتية العربية من جهة، والعربية العربية من جهة أخرى، وكذلك انضمام
الكويت إلى جامعة الدول العربية قبل الاستقلال، وصد الأطماع العراقية في تلك
الفترة، ومواجهة آثار الصراع العالمي على منطقة الخليج.
شرع الشيخ عبدالله المبارك في العمل العام في سن مبكرة نسبياً
منذ العام 1926، وذلك عندما كُلّف حراسة إحدى بوابات سور الكويت، ونجح في مهمته
تلك نجاحاً مبهراً بكل حزم وذكاء، ثم كان له الدور البارز في المسؤولية عن القبائل
والحكم في نزاعاتها بكل حكمة وحنكة، فوجد الاحترام والمحبة من قبائل الجزيرة
العربية كافة، وواصل نشاطه وقيادته، واستمر في دوائر الحكم الكويتي بعد ذلك ما
يقارب 35 عاماً منفّذاً أو صانعاً للقرار.
ورغم أن تفاصيل
حياة عبدالله المبارك حسب الوثائق التاريخية المتوافرة غير واضحة ما بين عامي 1926
– 1940 لكن آثارها واضحة في حقبة حكم الشيخ أحمد الجابر وما بعدها، من حيث اضطلاع
الشيخ عبدالله المبارك بمهام أمنية مباشرة ومهمة، وإعداده ليكون نائب حاكم الكويت
في عهد الشيخ عبدالله السالم، حيث تولى
رئاسة دائرة الأمن العام في العام 1942، وأصبح حاكماً لمدينة الكويت إثر وفاة
الشيخ علي الخليفة. ويتذكر بعض الناس تصرف الشيخ عبدالله المبارك بحكمة منقطعة
النظير بعد قيامه بمعاقبة اثنين من خدم الأميرة نورة بنت عبدالرحمن آل سعود بسبب
تطاولهما على بعض المواطنين الكويتيين، وهو ما أدى إلى موقف متأزم مع الملك
عبدالعزيز آل سعود، وانتهى بإعجاب الملك بشجاعة عبدالله المبارك، وقام بإهدائه
سيارتَين، وكذلك شجاعته المعروفة في تجاوز خطر كبير هدد الكويت، ففي عام 1944 وقع
خلاف بين بعض المهربين انتهى إلى مقتل أحد أبناء عائلة السعدون شيوخ قبيلة المنتفق
القوية في العراق، والتي طالبت بتسليم القاتل للانتقام منه، وهددت بالإغارة على
بادية الكويت.
ذهب الشيخ عبدالله المبارك إلى البصرة،
والتقى متصرفها الذي اعتذر عن التدخل، ولكن الشيخ خاطر بنفسه وذهب إلى عقر دار
السعدون، غير آبه بالمخاطر التي أحاطت به بسبب أجواء الغضب المشحونة بين أفراد
عائلة السعدون، وشرح لهم وجهة نظره، وأكد لهم عدم علم حكومة الكويت بما حدث، وأنها
لا تتستر على القاتل، ثم تعهد بمعاونتهم في البحث عن الجاني، وكان الاتفاق على أن
تدفع الكويت الدية عن القتيل، وتتم المصالحة.
وأما
في السنة التالية فقد اتجهت جهود عبدالله المبارك نحو فض النزاعات القبلية
والمشاجرات والحكم في السرقات ومهمة تحقيق الأمن في الكويت، وكان مقره في العام
1945 بمنطقة الصفاة، وتوجت أعماله آنذاك بحصوله على وسام الإمبراطورية الهندية من الحكومة
البريطانية بدرجة رفيق CIE، تقديراً لجهوده خلال الحرب العالمية الثانية.
بعد
ذلك في العام 1948 وبطلب من أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر قام عبدالله المبارك بإنشاء
إدارة تتولى شؤون جوازات السفر والجنسية، وفي العام 1949 وجّه أوامره بإصدار أول
جواز سفر كويتي، وفي العام
ذاته بدأت بوادر التوتر بينه وبين الحكومة البريطانية تطفو على السطح إثر قيامه بتسلم
وسام من الحكومة اللبنانية دون استئذان الحكومة البريطانية التي كانت مرتبطة مع
الكويت بمعاهدة حماية موقعة منذ 1899.
لاحقت الشائعات الشيخ عبدالله المبارك كثيراً، وروّج
بعضهم أنه يرنو لسدة الحكم، لكن الشيخ عبدالله وبتصرف الحكيم برهن على بطلان تلك
الدعاوى عندما قام بإرسال برقية إلى الشيخ عبدالله السالم للحضور من
الهند قبيل تنصيبه أميراً على الكويت بأيام قليلة في العام 1950 بعد وفاة الشيخ
أحمد الجابر.. وقد دار حوار بين الشيخين أعرب فيه الشيخ عبدالله السالم عن أن عمّه
الشيخ عبدالله المبارك هو الأحق بالحكم، فردّ عليه الشيخ عبدالله المبارك بقوله: أنت
أكبر سنّاً وأولى بالحكم.
وقد
توطدت العلاقة بين الرجلين، فكان المبارك هو الساعد الأيمن لعبدالله السالم ونائبه
في الحكم خلال فترات غيابه الطويلة عن الكويت.
بعد
الثقة التي حازها عبدالله المبارك من أمير الكويت بدأ في العام 1951 بتعميق مفاهيم
بناء الدولة الحديثة، وذلك لظهور بوادر الطفرة النفطية، ومن ذلك أنه أشرف على
إنشاء ميناء الأحمدي، وقام بزيارة تاريخية إلى لندن، وترأس إذاعة
الكويت مع انطلاق بثها لأول مرة من مبنى الشرطة والأمن العام، وقد استمر حتى العام
1960 رئيساً لها، وكذلك رعايته للأنشطة الثقافية والرياضية كقيامه برعاية وحضور
مباراة كأس أمير الكويت في العام 1951.
ولا
يخفى دوره في تشجيع دراسة البنات، وأهمية تعليمهن في نهضة الكويت وتقدمها، وهو ما
يشاهَد جلياً في محاضر جلسات مجلس المعارف برئاسة الشيخ عبدالله المبارك ما بين
عامي 1947 و1960.
ولأسباب مختلفة
ما بين سفر الأمير الشيخ عبدالله السالم وانشغالاته الخارجية والدواعي
الإستراتيجية، فقد تبوأ الشيخ عبدالله المبارك في عقد الخمسينيات منصب نائب حاكم
الكويت مرات متعددة وبشكل متكرر ومتوالٍ،
وبخاصة في السنوات الثلاث الأخيرة التي كانت في معظمها تحت حكمه بالنيابة، وذلك
بسبب مرض سمو الشيخ عبدالله السالم وسفره إلى الخارج، ففي العام 1950 تولى الشيخ عبدالله المبارك الحكم بالنيابة لأول مرة، وفي العام 1951 تكرر
توليه الحكم بالنيابة مجدداً، وفي العام 1952 تولى الحكم بالنيابة لمدة 3 أشهر،
وفي العام 1953 كذلك لمدة 3 أشهر، وفي العام 1954 لمدة شهرين، وفي العام 1955 لمدة
3 أشهر، وأما في العام 1956 فتولاه لشهر واحد، وفي العام 1957 لمدة 4 أشهر، وفي
العام 1958 كانت المدة 5 أشهر، وفي العام 1959 تولى الشيخ عبدالله المبارك الحكم
بالنيابة طوال العام ماعدا شهر أكتوبر، وفي العام 1960 كانت المدة 6 أشهر.
وخلال ذلك العقد كانت الفعاليات السياسية والاجتماعية
والثقافية والعسكرية والتعليمية التي قام بها عبدالله المبارك في أوجها، ففي العام
1952 تولى الرئاسة الفخرية لنادي الاتحاد الرياضي
والنادي الثقافي القومي منذ تأسيسه، وافتتح النادي الأهلي، وتقلّد وسام الاستحقاق
السوري من الدرجة الممتازة من قِبل الرئيس السوري أديب الشيشكلي، واستقبل الأمير
عبد الإله الوصي على عرش العراق خلال زيارته للكويت وبرفقته نوري السعيد رئيس
الوزراء.
ثم
وفي العام التالي 1953 استقبل الشيخ عبدالله المبارك الأمير عبد الإله والملك فيصل
الثاني في قصر مشرف، وترأس الوفد الكويتي الذي شارك في احتفالات تتويج فيصل الثاني
ملكاً على العراق، وأعلن
خطة لإنشاء إدارة خفر السواحل، وأنشأ نادي الطيران وافتتح نادي ومدرسة الطيران في
نفس العام.
ومما
عرف عن الشيخ عبدالله المبارك آنذاك حزمه والتزامه الأخلاقي، فقد قام العام 1953
بطرد خمسة من التجار اليهود إلى خارج الكويت، أبرزهم أنور كوهين، وحذر إدارة
النادي الثقافي من الاستقطاب السياسي، وخلال ملاحقته عدداً من المهربين عام 1954
تعرض لحادث خطير نجا منه بفضل الله، وفي العام ذاته قدم احتجاجاً شديد اللهجة إلى
بريطانيا بسبب احتساء بعض الموظفين البريطانيين الخمور على الملأ، وهو ما يتنافى مع تعاليم الإسلام والعادات العربية
الأصيلة التي تحكم أبناء الكويت، وفي العام ذاته تم تعيينه قائداً عاماً للجيش
الكويتي الذي وضع لبناته الأولى قبل ذلك بسنوات، وفي العام 1959
احتج لدى بريطانيا بسبب اللافتات الإنجليزية الماسّة بالآداب.
وكترجمة أخرى للعلاقة المتوترة مع المملكة المتحدة وصفت
الخارجية البريطانية في العام 1955 إمكانية توّلي
عبدالله المبارك الحكم في الكويت بأنها كارثة، وأشاعت لعدة سنوات نبأ تجهيز نفسه
لخلافة الشيخ عبدالله السالم.
ومن الوقائع ذات الأثر الكبير في تاريخ الكويت، قيام
الشيخ عبدالله المبارك العام 1956 بزيارة بريطانيا بدعوة من الجنرال تمبلر رئيس
هيئة الأركان العامة للجيش البريطاني، وكان على رأس جدول أعماله التفاوض
للحصول على عشر عربات مصفحة، وكذلك قيامه في نفس العام بأولى زياراته الرسمية إلى
مصر بدعوة وجهتها له حكومة الثورة والمؤتمر الإسلامي، ثم عودته من هناك لقيادة الشرطة والأمن على إثر
الأحداث المتفجرة في الكويت ومظاهرات التضامن مع مصر بسبب العدوان الثلاثي عليها.
ولم يخلُ العام التالي 1957 من
إنجازات، حيث أصدر الشيخ عبدالله المبارك قراراً خاصاً بتعديل حدود ميناء الأحمدي
لتوسيعه، ثم صدر مرسوم أميري بدمج «قوات الأمن» و«قوات الحدود» برئاسة الشيخ
عبدالله المبارك.
ومرة
أخرى يمثل الشيخ عبدالله المبارك الكويت في المؤتمر الإسلامي بالجزائر عام 1958، وما
بين هذا العام والعام السابق قام بزيارات متكررة إلى العراق بحثاً عن حلول لقضية
الحدود، ثم قام في ذات العام بزيارة مصر والتقى مع الأمين العام لجامعة الدول
العربية الأستاذ عبد الخالق حسونة ودعاه إلى زيارة الكويت للتباحث حول فكرة انضمام
الكويت للجامعة العربية رغم اعتراض بريطانيا، وكذلك كان للشيخ عبدالله المبارك في
هذا العام اجتماع مهم مع الملك سعود، حيث اقترح فيه عقد مؤتمر أقطاب العرب.
أما العام 1959 فكان
حافلاً بالأحداث، وقد أمسك عبدالله المبارك بزمام الأمور فيها، فمن جهةٍ عمل على
زيادة عدد أفراد الجيش الكويتي، ومن جهة أخرى أجرى مشاورات في لندن بشأن الخطط
الدفاعية التي ستقدمها بريطانيا للكويت في حال حدوث عدوان خارجي على إثر التهديدات
العراقية المتكررة آنذاك، وسعى للتأكد من أن الولايات المتحدة على معرفة بخطط
الدفاع عن الكويت والتعاون مع بريطانيا بشأنه.
وبمناسبة
مرور عام على الوحدة المصرية السورية في فبراير من عام 1959، ألقى الشيخ كلمة
بثتها إذاعة الكويت ذكر فيها أن إقامة الجمهورية العربية المتحدة هي حدث تاريخي
عظيم في حياة الأمة العربية التي تكافح من أجل وحدتها، وطلب من أئمة المساجد
الدعاء للوحدة العربية، وأعلن اليوم التالي إجازة رسمية عُطلت فيها المصالح
الحكومية.
وأما
الحدث الأهم في العام 1959 فكان اجتماع المجلس الأعلى برئاسة سمو الشيخ عبدالله
السالم والشيخ فهد السالم، وانتقاده السلوك المتعاطف لسمو الشيخ عبدالله المبارك
والشيخ صباح الأحمد تجاه المعارضة، وذلك على إثر التوجهات الناصرية الشائعة آنذاك،
ومن ثم إصدار سمو الشيخ عبدالله السالم مرسوماً بدمج الشرطة والأمن العام في دائرة
واحدة يرأسها سمو الشيخ عبدالله المبارك، وفي غضون ذلك أشيع أن عبدالله المبارك أمر
بترحيل 500 عراقي على إثر
أحداث الثورة العراقية والمد الشيوعي الذي وصل الكويت آنذاك.
وعلى الصعيدين التعليمي والثقافي،
فقد تبرع الشيخ عبدالله المبارك في العام 1959 بأرضه في دسمان لإنشاء مبنى
إدارة الصحة المدرسية، وأصدر تعليماته بإقرار مشروع إعداد سجل تاريخي يحتوي على
الوثائق الخاصة بتاريخ الكويت، وفي العام 1960 ترأس اجتماع مجلس المعارف في فبراير
من ذلك العام، وناقش مع الأعضاء إنشاء جامعة الكويت، وأطلق مجلة حماة الوطن
الشهرية التي صدرت عن القوات المسلحة الكويتية، وصدر أول عدد منها في أكتوبر عام
1960.
وبصفته
رئيساً للمعارف في ذلك العام قام برعاية مؤتمر الأدباء العربي الرابع الذي افتتحه
الشيخ عبدالله الجابر، وشارك فيه مجموعة كبيرة من الأدباء والشعراء والمفكرين
العرب، واستمر المؤتمر لمدة 9 أيام متواصلة، وكانت المرة الأولى التي يعقد فيها
هذا المؤتمر بدولة الكويت.
أمنياً قام الشيخ عبدالله
المبارك بالرد على السلطات العراقية بعدم موافقته على توصيل مياه شط العرب إلى
الكويت لأن العراق وقع في أيدي الشيوعيين الذين يقومون بعمليات تصفية دموية ضد
معارضيهم.
وفي
ذات العام سعى الشيخ عبدالله المبارك لتصفية العلاقات بين القاهرة وتونس.
وفي
العام الأخير للشيخ عبدالله المبارك في دوائر الحكم الرسمية أي في العام 1960 أفصح
الشيخ عن رغبته في شراء ست طائرات تدريب نفاثة من بريطانيا.
وفي
عام 1960 كذلك منحه رئيس الجمهورية اللبنانية فؤاد شهاب الوشاح الأكبر لوسام
الاستحقاق اللبناني، علماً أن الشيخ عبدالله المبارك قبل وساماً من الحكومة
اللبنانية في عام 1949 قبل استئذان حكومة صاحب الجلالة أدى آنذاك إلى انزعاجها.
وفي
العام 1955 قررت منظمة نوادي ومراكز الطيران البريطانية (British
Aero Clubs and Centers) منح الشيخ عبدالله المبارك وسام «أجنحة الشرف» في احتفال كبير
أقيم في الكويت.
وفي
زيارة للشيخ إلى دمشق في عام 1952 قلده الرئيس السوري أديب الشيشكلي وسام
الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
وبعد
استقلال المغرب وجّه ملكها الدعوة للشيخ عبدالله المبارك لحضور حفل زفاف ابنه
الأمير عبدالله على لمياء الصلح وقلده وساماً مغربيّاً رفيعاً.
وفي
العام 1960 أيضاً أقام الرئيس المصري جمال عبدالناصر مأدبة عشاء بمنزله في منشية
البكري على شرف الشيخ عبدالله المبارك، قّلده فيها أعلى الأوسمة المصرية.
وحاز
الشيخ كذلك على الوشاح الأكبر للقديس مرقص من قبل بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
للروم الأرثوذكس.
ومن
فعاليات العام 1960 أيضاً تم دمج هيئة التنظيم وهيئة المجلس الأعلى في هيئة واحدة
مكونة من سمو الشيخ عبدالله المبارك وسمو الشيخ سعد العبدالله و8 أعضاء من خارج
أسرة الصباح.
وفي
ذات العام قام الشيخ عبدالله المبارك باستقبال ملك المغرب محمد الخامس، وسافر بصحبة
سمو الشيخ عبدالله السالم إلى الرياض للتفاوض على الأرض المحايدة، وسافر إلى
العراق لحضور الاحتفال بافتتاح الميناء الجديد في أم قصر والتقى بعبد الكريم قاسم،
وفي الأشهر الأولى من العام 1961 استقبل الملك سعود خلال زيارته للكويت.
وفي قضية
استقالة عبدالله المبارك، تذكر د.سعاد الصباح في كتابها (صقر الخليج أنه: (ولم
يسحب عبدالله مبارك استقالته، كما لم يقبلها المجلس الأعلى ولم يتخذ الأمير قراراً
بقبولها، وكان ذلك وضعاً غريباً، وأزمة غير مسبوقة تواجه نظام الحكم في الكويت.
ووفق تقدير
الوكيل السياسي في تقرير له بتاريخ 30 أبريل، فإن الشيخ عبدالله سوف يعود قريباً
لشغل مناصبه السابقة ولكن بعد أن «يُنزع ريشه قليلاً».
ولكن في تطور
مفاجئ للجميع وقبل إعلان استقلال الكويت بيومين صدر المرسوم الأميري رقم 7 لسنة
1961 في السابع عشر من شهر يونيو عام 1961 الذي نص على:
نحن عبدالله
السالم الصباح أمير الكويت
بناء على
رغبتنا في تنسيق الأعمال وحسن سيرها تحقيقاً للمصلحة العامة.
رسمنا بما هو
آت:
مادة 1: يعين
سعد عبدالله السالم الصباح رئيساً للشرطة والأمن العام.
مادة 2: على
رؤساء الدوائر تنفيذ هذا المرسوم.
أمير الكويت
عبدالله السالم
الصباح
وفي اليوم
ذاته، صدر المرسوم الأميري رقم 8 لسنة 1961 والخاص بإجراء تعديلات في دوائر
الحكومة، فتم دمج دائرة الجمارك ودائرة الميناء في دائرة واحدة تسمى دائرة الجمارك
والموانئ (مادة 1)، ودمج دائرة أملاك الحكومة ودائرة الإسكان في دائرة واحدة تسمى
دائرة الإسكان (مادة 2)، وإلحاق الإذاعة الكويتية بالمجلس الأعلى مع تسميتها دار
الإذاعة والتليفزيون (مادة 3).
ولاحظ الوكيل
السياسي في تحليله لهذه التغيرات أن المرسوم الأميري لم يتناول وضع الجيش، وأنه
نقل اختصاص الإذاعة من دائرة الأمن العام إلى المجلس الأعلى.
وفي أعقاب صدور
هذا المرسوم طلبت جريدة الحياة من الشيخ عبدالله المبارك التعليق على ما حدث، فرفض
الشيخ، وسجلت الجريدة ذلك).
ثم تختم د.سعاد
الصباح متسائلة: (ويبقى السؤال المحير للباحثين والمؤرخين هو: لماذا لم تُعلن
استقالة الشيخ إلا قبل الاستقلال بيومين؟).
في العام 1960 تزوج الشيخ عبدالله المبارك من ابنة عمه
سعاد محمد الصباح، ورزق بأول أطفاله منها (مبارك) في
29 أغسطس 1961، ثم محمد في 1971، وأمنية في 1972، ومبارك في 1978، وشيماء في 1980.
بعد ابتعاد الشيخ عبدالله المبارك عن أضواء الحكم، بقيت
الكويت في قلبه وعقله، فقد كان خير من يمثلها ويرفع راياتها عالياً في المحافل
العربية والدولية، ومن ذلك قيام سموه في العام 1963
بزيارة إلى الفاتيكان بدعوة من البابا، وإهداؤه الجيش المصري 100 سيارة جيب، ولقاؤه
في العام 1965 بالرئيس العراقي عبد السلام عارف في مصر، وإرساله في العام 1966
شيكاً بمبلغ مليون دولار للرئيس المصري جمال عبد الناصر تاركاً للرئيس أمر توجيهه
إلى أي غرض من أغراض النفع العام، وتبرعه في العام 1967 بمساعدات طبية لمصر، وفي
العام 1973 بمبلغ مليون جنيه مصري لصالح المجهود الحربي.
وكان
لله قضاؤه في العام 1973، حيث ودّع الشيخ عبدالله المبارك ابنه البكر مبارك، وأودعه
في ثرى مصر حزيناً مصاباً.
لم
تخرج الكويت من فكر عبدالله المبارك، فقد عاد في العام 1974 مع أسرته للإقامة في الكويت،
وفي العام 1983 أرسل خطاباً إلى الشيخ جابر الأحمد يعبّر فيه عن قلقه وهواجسه حول
الأوضاع في الكويت آنذاك،
وتكرر ذلك في العام 1990، بعدما غادر سموه الكويت في 15 يونيو 1990 إلى لندن للعلاج،
حيث وجه من هناك خطاباً في أكتوبر إلى سمو الشيخ
جابر الأحمد في الطائف على إثر أحداث غزو الكويت عبّر فيه عن ألمه، وأسدى له بعض
النصائح.
وتحين
لحظات الألم الصعبة، ويأتي اليقين، في 15 يونيو 1991، حيث تفيض الروح إلى خالقها
أثناء وجود سمو الشيخ عبدالله المبارك في لندن، ويوارى الثرى في مقبرة الصليبخات
بالكويت في اليوم التالي.
بوداع
عبدالله المبارك جسداً، تأفل شمس حقبة من تاريخ الكويت، هي الأكثر بحثاً عن المستقبل لشعب قدّر الله له أن يكون في
مهب المخاطر، وهيأ له رجالاً كعبدالله المبارك يديرون له دفة السفينة، ويلقون إليه
بطوق النجاة، فتعبر الكويت بمن فيها إلى بر النجاة بفضل الله وكرمه، ويبقى عبدالله
المبارك إنجازاتٍ وأثراً وبناء في ذاكرة الكويت وأهلها.