الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

سلام عليك . . .


                                               بقلم : محمد خالد القطمه

. . . في هذا الصباح الباكر حملتك خيوط الفجر إلى عيني فافقت لا صاحياً كنت ولا نائماً . كنت كالمأخوذ في وهلة الحلم أجمع صور الذاكرة وأتحدث إلى شخوصها كما لو كانوا أمامي مستمعين . تعرف أيها الغالي : رائعة هي هذه الهنيهة التي تلغي ذاكرة اليوم لتزرع محلها ذاكرة الأمس ، في واحدة من أروع ما خلق الله لعبده ، فكيف إذا كانت هذه الهنيهة هي أنت يا عبد الله .
ها أنا أفيق وفي كفي حلمي . أركض كالطفل الخائف عند بوابة الساحر يخشى لو قرع الباب أن يجيء المارد إليه دون أن يحمل الهدايا : عروساً من اللوز والسكر أو طيارة ورق ملونة تتمايل ذات اليسار وذات اليمين وفي فمه شهقة الدهشة . ولكنه بالأخير يدق الباب ليسمع الصوت سائلاً : من أنت ؟ بالحب ، لا بالخوف ، يظل صامتاً حتى يرى السائل . . فإذا هو أنت وإذا هو أنا . .
عندما أفقت من اللحظة التائهة بين الغفوة والصحوة حسبت أننا كنا معاً في القاهرة قبل عشرين عاماً . يا الله كم هي طويلة سنوات الشوق إلى مكان . أذكر ليلة جاء ذلك العربـي المجهول إلى الفندق وحسب الحرس أنه يريد بك شراً . . وعندما رآك





المجهول هـرب إلى الطريـق . يومهـا عرفت كم هـي هيبتـك كبيرة وأنت الأعزل ، والبعيد عن كل المناصب التي تمنـع الصواعـق فقلت : تـرى كيف كان إذن قبل أربعين عمراً من السنين ؟
أكاد استفيق لكنني أمسك باللحظة ، كما الطفل بالنجمة الهاربة ضوءاً فـي السماء .
أتذكر جيداً كيف كانت عفة لسانك غلافاً للكلمات فلم تذكر أحداً بسوء ولا شتمت ولا عريت واحداً . كان يكفيك من الإدانة أن تصمت وابتسامة مقهورة على الوجه ولكنها أبداً لم تتحول إلى عبوس الضعفاء . تذكرت كيف عدنا من سفر ودخل عليك ، إلى الطائرة ، محمد بالبشت والعقال . دمعت عيناك وأنت تحتضن روحك فإذا سألت أجبت : هي المرة الأولى التي أراه فيها رجلاً .
دعني أعترف وما فات الأوان : لقد كنت في عيني رجلاً آخر غير الذي حدثوني عنه أو ذكروه في رواياتهم . وبك أنت عرفت كم هي ظالمة دنيانا وكم هي ستصبح مظلمة من غير صوتك . بدأت أتلمس قرابة في الروح وفي الفهم وفي القيم العليا ، وكان ذلك مصـدر السعادة الذي يحملني إليك في العشية . . وبعد حديث ولقمة خبز عربي



وقطعة جبن بيضاء وفنجان شاي ، كنت أعود إلى منزلي مفعماً بفرح لا أدري سره ولم أعرف كم عميقاً كان حتى فقدته . ولعلني ، في هذه اللحظة الصباحية النادرة أعرف كم كنت موضع حسد كثيرين لأنني كنت إلى يسارك دائماً ، قريباً في الموقع ، وأنت الأقرب إلى القلب .

هل تعرف أيها الرجل : عندما سألت عنك في مثل هذا اليوم قبل أربعة عشر عاماً وعرفت ، أدركت كم هي قاسية أقداري وكم ميت الحظ أنا .

هل تعرف يا سيدي الجميل : تذكرتك كثيراً في رحلتنا الشهر الماضي إلى القاهرة . لم تكن هناك في الفندق لأخبرك كيف كانت تشرق مثل شمعدان فرعوني فوق المنبر . بالعادة تنتظر ايابي لأحكي لك كيف كان اللقاء وكيف كانت . . هذه المرة عدت إلى الفندق وليس فيه من أخبره الحكاية ، فحزنت كثيراً .




تعرف يا صديقي الكبير : قبل أيام كنا في خيمة الفرح مع مبارك . . صحبي كلهم سعدوا بالضيافة إلا أنا . كان في قلبي صوت ردعني عن مشاركة الضيوف طعامهم . لقد اشتهيت قطعة " خبزة وجبنة "  معـك وأحسست كأنني أخون العهد لو فعلت غير ذلك وأنت بعيد .
عندي أخبار كثيرة لك ولكن من حق غيري أن يقولها لك ، وأحسب أنها فعلت في ليلها الذي تذكرك فيه كما في النهار .
سـلام عليـك يـا عبد الله المبارك يـوم ولـدت ويـوم رحـلت ويـوم تبعث حيـاً بإذن الله يـا عبـد الله .  








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق