بقلم: علي المسعودي
(لافي يوم ولا في ليله غاب ذكره عن اللسان والقلب..)
نعرف حديث الحبيبات عن أحبابهن
ونعي أشواق الأمهات إلى أولادهن..
وندرك لواعج الزوجات إلى أزواجهن..
لكن لهذا الحديث نكهة أخرى.. وأطياف أجلّ وأجمل..
ما أنبل حديث الابنة عن والدها..
وما أروع الصدق الجنوني في بوح الغياب..
هو الحضور الذي لايغيب..
وهو المغيب الذي تشرق ذكراه في النفس كل حين..
الشيخة "أمنية" تقدم عبارات ناعمة صادقة جميلة عن والدها
الراحل الشيخ عبدالله المبارك طيب الله ثراه عبر مقال نشرته عام 2008
وفي المقال تتضح علاقة جميلة بين والد وابنته .. بينهما فارق كبير في
العمر.. ومسافة طويلة من التجارب..
لكن القلب الحميم عندما يجتمع بالحنين لا يكون للزمن قيمة حقيقية إلا
بما أسداه من ألفة وألم وحب وفيض حنان..
والحب هو العنوان الرئيس في (البيت المباركي)..
في المقال لقطات لطيفة.. كأنما هي مقاطع سينمائية.. تتوزع مابين
الحوار الداخلي.. والفلاش باك ..
تختار الابنة من المكتبة بعض الأشرطة المحددة.. تبدأ بتشغيلها واحدا
واحدا..
وتنهمر ضحكات الماضي الجميل يف الشاشة.. في الوقت الذي تنهمر فيه دموع
الحاضر النبيل في وجه الابنة..
...
وكلما زاد المرح في الشاشة .. زاد الحزن في الوجه الذي يشاهد.. (من
السهل أن نحبس الماضي في شريط فيديو.. أو بطاقة مصورة.. لكن ما أوجع أن يحبسنا
الماضي ويجعلنا غير قادرين على الفكاك منه)
لكن الأصعب.. أن نذهب بأنفسنا ونضع أيدينا باختيارنا في قيد ما مضى..
هو الحبس الذي نختاره
لأنه الحب الذي اختارنا..
لكن عبارة الافتتاح.. تأتي بشكل مغاير تبدو فيه مكانة الاب الموزعة في
أكثر من جهة. (أبي.. وسيدي.. وذاكرتي)..
يالمكانة الجبال التي في شموخها ورسوخها ووضوحها وهي ترسو في النفوس
لاتتزحزح ولا تزول..
كان الجبل ..
لكنه مازال هنا..
هذا الجبل هو الشيخ عبدالله.. تحط على كتفه حمامة تلوذ بدفئه هي
(امنية)
وهي لا تفعل في كل ماتفعل إلا لتحفظ لذاكرتها (نضارة الحضور)..
فالكبار نكبر بذكرهم.. والأحبة الراحلون يعودون لشغل أماكنهم في حياتنا بأشكال
أخرى جميلة...
تقول أمنية وهي تتحدث عن الصور الحميمة التي جمعت
العائلة في مناسبات دافئة:
( في لحظة صدق ووفاء شعرت أن من حق التاريخ علينا أن
نطلق هذه الصور ليقرأ فيها شعبنا بعض أحداث حياتنا وليعيش معنا تلك الساعات
الرائعة من العمر الذي نتشارك فيه مع الآخرين في قراءة الزمن)
وإن فعلت فإنها تهدينا ذاكرتها.. وتعطينا نكهة حياة جديدة لأناس مروا.. لكنهم لم يعبروا من الذاكرة،و لم يغادروا القلب.. ولن يبرحوه..
...
وفي مايلي المقال..
بقلم: أمنية عبدالله المبارك الصباح
سبعة عشر عاماً مضت على
غيابه. لا في يوم ولا في ليلة غاب ذكره عن اللسان وعن القلب.
عبد الله مبارك الصباح:
أبي وسيدي وذاكرتي،
كأنها الأمس، كانت لحظة الحزن السوداء، الأكبر في الروح والأعمق جرحاً. كنا نحلم
بيوم العودة إلى الوطن وقد تحرر من رجس الشيطان فإذا بنا نعود ولكن بالسيف في
غمده، وبأحزان الرحيل الأبدي تغلق العين.
من يومها ونحن نعيش
ذكراه ولكن من غير أن نذكر رحيله بالكلمات.. نستعيد ذكرياتنا معه إذا جلسنا إلى
مائدة الطعام، أو تأهبنا للخروج في رحلة، أو ترافقنا إلى موقع في زيارة، وكأنه لا
يزال مقيماً بيننا، وصاحب القرار في خطونا .
ومن يومها وأنا استعيد
ساعات العمر مع أفلام سجلناها في مناسبات أسرية أو رحلات عائلية، ألجأ إليها لأحفظ
لذاكرتي نضارة الحضور. كذلك عشت مع هذه الصور أياماً وليال طويلة وأنا أعيد الحوار
معها وكأن صاحبها يقف هناك عند باب غرفتي يطمئن إلى زوال الحمى عني حين أمرض.
لكن، في لحظة صدق ووفاء
شعرت أن من حق التاريخ علينا أن نطلق هذه الصور ليقرأ فيها شعبنا بعض أحداث حياتنا
وليعيش معنا تلك الساعات الرائعة من العمر الذي نتشارك فيه مع الآخرين في قراءة
الزمن .
إلى أبي،
إلى عبد الله مبارك
الصباح،
وفاء يبقى حتى آخر همسة
من حياة .
- أمنية عبد الله مبارك
الصباح
2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق