الخميس، 24 مايو 2012

مسابقات وجوائز

جائزة الشيخ عبدالله المبارك للابداع العلمي


بطولة عبدالله المبارك الرياضات الكويتية الأخرى


 بطولة المغفور له الشيخ عبدالله المبارك الصباح للرماية


مسابقة عبدالله المبارك لحفظ القرآن

دراسة


عبدالله المبارك في شعر وفكر سعاد الصباح

بقلم: علي المسعودي





كنت أعدّ لأبحث عن "عبدالله المبارك" في شعر سعاد الصباح، فوجدت حضوره في نفسها وحياتها أوسع بكثير من مساحة الشعر، فهو مرسوم على كل تفاصيلها وكل تاريخها..
 إذا كلـّمتها عن السياسة قالت: عبدالله المبارك..
 إذا حدّثتها عن الحب.. قالت: عبدالله المبارك..
 إذا فتحت لها  أبواب العروبة.. همست: عبدالله المبارك، وإن ذكرت لها التضحية سمعتها تقول: عبدالله المبارك، ولو أشرت إلى الحكمة والحكم وجهتك إلى "عبدالله المبارك"...

تسألها: ماذا عن شعرك؟ تقول: أخذت افكاري من بومبارك
تبادرها: وماذا عن شعورك؟ تجيب: ازدهر ربيعه بمطر عبدالله المبارك.
ماذا عن دراستك؟ تؤكد: الفضل فيها يعود إلى بومبارك
صداقاتك؟
رحلاتك؟
اولادك؟
انت؟
هم؟
كل ذلك عبدالله المبارك.
فكأن سعاد كانت كالقمر الذي يدور حول الأرض.
هي القمر بجلائه وتجلياته وجماله، وهو الأرض بكل عطاءاتها وحنانها..
بينهما حالة تجاذب وانجذاب أبدية، لا يستطيع القمر الخروج من مدار الأرض، ولن تكون الأرض أرضاً جميلة بلا قمر...

لذلك لم يكن عبدالله المبارك منحصرا محدودا في الشعر، بل في الفكر كله كمنهج حياة وكإيمان، وكامتنان...

ومن المثير للعجب أن ذاك الرجل قرر اعتزال الحياة السياسية وترك الإعلام، في الوقت الذي تغلغل في فكر الشاعرة الأديبة فحضر إلى الحياة الاجتماعية والفكرية والشعرية والسياسية من خلالها كل هذا الحضور..
وبعد حياة حافلة بالتنقلات والتحولات.. جاء دور الوفاء بعد الرحيل..
الوفاء.. الحميم، خصلة المرأة العربية الأصيلة.
وقد اشتهرت نساء شاعرات بالرثاء.. حتى قال مصطفي صادق الرافعي في كتابه "تاريخ الأدب"  (ان الرثاء هو عمود شعر النساء) ، فكان خلود رثاء الأخوة في قصائد الخنساء ومراثيها في شقيقها صخر:
أعيني جودا ولاتجمدا
الا تبكيان لصخر الندى
الا تبكيان الجميل الجريء
الا تبكيان الفتى السيدا
            
وفي رثاء الزوج اشتهرت أبيات جليلة بنت مرة في زوجها القتيل كليب:

يا قتيلا قوض الدهر به ... سقف بيتي جميعا من عل
....
خصني قتل كليب بلظى من..  ورائي ولظى من أسفلي
ليس من يبكي ليومين كمن  .. إنما يبكي ليوم ينجلي

*******

لكن نتاج سعاد الصباح الشعري والإنساني والفكري أخذ شكل الوفاء أكثر من شكل الرثاء، فكانت دوما تخاطبه كواقع وكوجود وكحضور.. شاخص أمامها بهيئته وبتاريخه، رغم أنه خطاب عاطفي واع ومدرك لحجم الغياب في الوقت ذاته.. وليس من قبيل الاحتجاج على الفقد.. فلم يتضح من كل ماكتبت أنها ترفض هذا الغياب او تحتج على المقادير، بل إنها تقبل ماحدث بنفس راضية.. وفي الوقت ذاته تعيد تشكيل الحضور بشكل آخر، فانجازاتها هي امتداد لحضوره، وأولادها هم استمرار لهيبته وذكرياتها هي اعادة تشكيل واقع فات لواقع سيأتي..

هكذا تعيد سعاد الصباح أحداث الوفاء التي اشتهرت بها المرأة العربية.. فتقفز إلى الذاكرة بعض ما ذكره ابن الجوزي في كتابه أخبار النساء، ومن ذلك قول الاصمعي: رأيت بالبادية أعرابية لاتتكلم، فقلت: أخرساء هي؟ فقيل لي: لا، ولكن زوجها معجبا بنغمتها فتوفي، فآلت ألا تتكلم بعده أبدا..



وقول الأصمعي: خرج سليمان بن عبدالملك ومعه سليمان بن المهلب ابن ابي صفره من دمشق متنزهين فمرا بالجبانة، فإذا امرأة جالسة على قبر تبكي فرفعت البرقع عن وجهها فكأنها غمامةٌ جلت شمسا، فوقفنا متعجبين ننظر اليها فقال لها ابن المهلب: يا أمة الله هل لك في امير المؤمنين بعلاً؟ فنظرت إليهما ثم نظرت إلى القبر، وقالت:
فإن تسألاني عن هواي فإنه    بملحود هذا القبر يافتيان
وإني لأستحييه والترب بيننا    كما كنت استحييه وهو يراني


قال الاصمعي: فانصرفنا ونحن متعجبين!
والعجب الأكثر هو في صنيع قلب سعاد الصباح.. وانهماراته الصيفية والشتائية ببوح حار للزوج والحبيب والصديق الفقيد..
لأن التلاقي بين (سعاد وعبدالله) كان تلاقي عواطف وتلاقح افكار انبت هذه العلاقة النادرة التي تثير الاعجاب والفخر...
وكم هو رائع ان تغير سعاد الصباح الصورة النمطية في الشعر التي تقوم جماليات شعر الغزل فيها على التغزل بحبيب ليس هو الزوج.. لتثبت أن الحب للزوج والتغزل به وإكباره في النفس والقلب يعطي بعدا أكثر جمالا وجلالا ونبلا للكلمات وهي تسميه (القديس الذي علمني أبجدية الحب من الألف إلى الياء).. تنشد:

رسمني كقوس قزح
بين الأرض والسماء
وعلمني لغة الشجر
ولغة المطر
ولغة البحر الزرقاء
...              

في عام 1960 ارتبطت الشيخة الصغيرة بابن عمّها الشيخ الكبير.
مثل كل مفاجآت الحب.. قرأ اسمها من بين أسماء الطالبات الفائقات.. فاختارها قلبه على الفور، وقبلت هي فورا بهذا الفارس الذي جاء يخطفها من حضن الأب.. إلى أحضانه كزوج وحبيب ومعلم وأب وصديق.
وقد تعددت أشكال الخطاب الشعري والنثري لسعاد الصباح تجاه عبدالله المبارك
فهو مرة "المعلم" الذي يأخذ قداسة المعلمين الحكماء
وهو مرة "الصديق" الذي يسمع ويستوعب ويناقش
وهو أحيانا الأب الذي يداعب طفلته ويعرف جنون أعاصيرها
وهو
وهو
وهو
ماأكثره وما أوسعه وما أرحبه في قلبها، وفي ذاكرتها، وفي مساحة الجغرافيا والتاريخ عندها

قالت له شعرا:

مر تجدني.. أجعل الليل
إذا ما شئت فجرا

والخريف الجهم نيسانا
وألوانا وبشرى
ياحبيبي لا تسل مالون حبي.. أنت أدرى!


وفي سؤال صحفي طرح عليها عمن تقدموا لها يطلبوا يدها للزواج بعد وفاة عبدالله المبارك، أجابت هذه الإجابة الحاسمة والمذهلة:
( لا أحد يجرؤ على ذلك)


تقول نثرا:
حين تزوجت ابن عمي وحبيبي..... ومعلمي الشيخ عبدالله المبارك الصباح كنت في الأول ثانوي، وجدت رجلا مثاليا لايمكنني أن أصفه، وقف الى جانبي منذ اليوم الأول، وتنازل عن امتيازاته التاريخية ومعروف انه رأس العائلة وعمها جميعا. دفعني إلى ملاعب الشمس كي أغرف من الثقافة والعلم ولكي أزداد علما وفكرا،
هذا الرجل العظيم سار معي كل هذا الطريق الطويل، وكان فخوراً أنني أتعلم..
كان هو سندي والكتف الرحيم الذي ارتاح عليه عندما تعصف بي الرياح.
وتضيف: وإذا كنت حققت شيئا في حياتي العملية والأدبية..
فالفضل الاول يعود إلى عبدالله المبارك

وكانت وصيته لأولاده أن يستثمروا أنفسهم بالعلم والفكر وخدمة بلدهم.

تقول..

(كان يقول: إن النفط لوث بعض أفكارنا..
وكثير من قصائدي وكتاباتي هي من وحي أفكاره وتعليقاته)

سعاد الصباح هي حالة انبهار قصوى بالزوج، وقناعة تامة به كشريك حياة، ليس في الأمر ادّعاءا إعلاميا، ولا بهرجة أدبية.. فهذا الإصرار في القول، والاستمرار في التعبير والشعور الجارف بأشكاله وإشكالاته، يثبت ويؤكد ماتذهب إليه.. ويحشد كل أحاسيسها لكي تكون الكلمات معبأة بها.. صدقا لا حد لنقائه وصفائه.


أما قصيدتها (آخر السيوف) التي تكاد تكون رثائية جيل، فهي علامة فارقة في مسيرتها الشعرية من حيث إحساسها ودفقها والسبك والحبك واللفظ والصور المتتابعة المتزاحمة التي تحكي مرارة فـَـقد امرأة شامخة لجبلها الذي جبلت عليه.
..
في القصيدة تداخلت أحاسيس الوطن بأحاسيس الحبيب .. وشجون الأمّة بشؤون الزوجة، فبلغت غاية الإحساس وأقصى الوجع وذروة الألم وسنام الحزن .. ومادلالة آخر السيوف إلا ماتعنيه آخر جولات الفرسان في الحرب، فالسيف الأخير لا يكون بعده إلا إسدال الستارة على كل الجروح..
السيف الأخير سيلتصق باليد التي تحمله معجونا بالدم.. والإصرار ..

ها أنت ترجع مثل سيف متعب
لتنام في قلب الكويت أخيرا
يا أيها النسر المضرج بالأسى
كم كنت في الزمن الرديء صبورا
كسرتك أنباء الكويت ومن ر أى
جبلا بكل شموخه مقهورا
...
صعب على الأحرار أن يستسلموا
قدر الكبير بأن يظل كبيرا

كانت تلك القصيدة الأجمل والأوجع التي كتبتها عقب يوم الفقد الذي لا ينسى: يوم 15 يونيو 1991

...
ومثلما أعادت سيرة الشوق.. أعادت كتابة مسيرة الرجولة والبطولة عبر كتابها (صقر الخليج) الذي تناول رحلة رفيق الدرب ومسؤولياته الكبيرة وتضحياته العظيمة..

...
واستمرارا للوفاء أعدّت كتابها الأهم عن الشيخ مبارك الكبير مؤسس الكويت الحديثة... وكان إلى الإهداء كما نتوقع تماما:
(إلى أسرتي الصغيرة..
إلى روح زوجي الشيخ عبدالله المبارك
إلى أولادي محمد ومبارك وأمنية والشيماء..
إلى أحفادي وحفيداتي
وإلى أسرتي الكبيرة أهل الكويت..
صفحات تحكي عظمة قائد وشموخ شعب..)
وكان الكتاب القيّم الذي يحكي التاريخ وسيحكيه التاريخ.
أما الصفحات الأهم والأروع والأمتع فتلك التي حواها كتابها الأميز والأشفّ: (رسائل من الزمن الجميل) في نصوص صدرت للمرة الأولى عام 2006
تلك الرسائل الشعرية ذات النمط الروائي والمطر العاطفي.. بصياغة البوح الحميم.. بروح أديبة عاشقة، كأنها حمامة ترفرف فوق غمامة
الحمامة سعاد.. والغمامة عبدالله
...
تفتتح الكتاب بالانهمار الحار:

(يوم طلبني الشيخ عبدالله المبارك للزواج عام 1959 كان الطلب بمثابة زلزال قوي هز أعماقي، لم أصح منه إلا بعد وقت طويل..
كان بالنسبة لصبية صغيرة لاتزال تلبس المريول المدرسي بطلا من أبطال الروايات التي كنت أقرأها..
وفي مرحلة المراهقة ماأكثر الأبطال الذين حلمنا بهم، وتمنينا أن يخطفونا ذات يوم على حصان أبيض، ويغمرونا بحبهم وحنانهم وكرمهم وفروسيتهم.
وعندما طرق الباب.. عرفت أن روايات الطفولة صارت واقعا)

تكمل:
(لم يخبئني عبدالله المبارك خلف الستائر، ولم يحبسني في قارورة..
وإنما أدخلني إلى مجلسه، وشجعني على المشاركة في كل الحوارات...
ومن أهم أفضال عبدالله المبارك علي أنه صنعني فكريا وثقافيا عندما فتح أمامي الضوء الأخضر لأواصل تعليمي....)

...

تخلص إلى القول: قليلون هم الرجال الذين يضعون نساءهم على أكتافهم.. ويصعدون بهن إلى قمة الجبل في هذا الوطن العربي. وأشهد أن عبدالله المبارك حملني على أهدابه وعلى أكتافه حتى أوصلني وأولادي إلى شاطيء السلامة.
...
علمها القومية منذ اللحظة التي رفع فيها شعار: الكويت بلاد العرب.. فمنح حق الإقامة لكل عربي على أرض الكويت.
وعلمها الحب منذ أن رعاها بحنان قلبه.
وعلمها الحرية منذ أن منحها حق المشاركة.. فهي أول امرأة تحصل على حقها السياسي غير منقوص.
وقد كتبت إهداء كتابها بهذا الشكل:
(عبدالله المبارك.. زوجي
ومعلمي.. وحبيبي..
وصديق الزمن الجميل)

وكانت أول رسائلها:

(يا أكثر من حبيبي..
إنه الوضوء بمياه ضوئك..)

وفي الرسالة رقم 39:
عبدالله يا أحلى الأسماء..
ترحل وتقفل الباب على زمن رائع عشته معك..
من الزمن الكويتي إلى الزمن اللبناني
إلى الزمن المصري.. إلى الزمن السويسري
إلى الزمن الانجليزي
أشعر أنني تعبت وأن الوقود في سفينتي بدأ ينفد...

(عندها تعلن أنها تقفل باب الزمن حيث خبأت أجمل أيام عمرها، وحيث دفنت أثمن كنوزها..)

****
وفي التجربة الأدبية لسعاد الصباح الممتدة التي أقلعت رحلتها الأولى في ديوانها الأول "من عمري" عام 1963 وكانت استراحتها الأخيرة "رسائل من الزمن الجميل" هناك درس أخلاقي في الشعر.. فقد اعتدنا من أهل القصائد شعراء وشاعرات أن يكتبوا عن أحبة لهم لا نعرفهم، بل نجهل أسماءهم وأشكالهم..  فهم ليسوا أزواجا ولا زوجات.. إذ أن تجربة الشعر رسّخت في أذهاننا أن الزوجة لا تصلح أن تكون حبيبة، ولا الزوج يستحق أن تدبج فيه قصائد الغزل.. وذلك ما يشبه الهروب الشعري بالإحساس إلى الآخر البعيد..
وتجارب قليلة صرحت بشخص الحبيب.. القريب.
أشهرها غادة السمان التي نشرت رسائل غسان كنفاني إليها.. وهناك فرق كبير بين رسائل سعاد إلى زوجها وحبيبها عبدالله المبارك،  ورسائل كنفاني إلى غادة ..
فلايخفي على لبيب تلك النرجسية وحب الذات التي دفعت غادة إلى النشر وما تنطوي عليه من خيانات أسرية.. وهو عكس حال سعاد الصباح في رسائل التفاني والاخلاص والعفة والوفاء.. وإنكار الذات.. فهل نصدق أن الحبيب عبدالله المبارك لم يكتب أي رسالة إلى الزوجة الشابة الجميلة الحبيبة.. لكن أم مبارك لا تتاجر بمشاعر الزوج الحبيب..
وهي لم تنشر رسائلها إليه الا بعد وفاته، وذلك منتهى الاخلاص والصدق في مشاعر لاتريد فيها ردة فعل من الطرف الآخر...


لقد بدت غاية الحب وأوجه وذروة سنامه وبكل وضوحه في كتابها (رسائل من الزمن الجميل) الذي يظهر الحبيب باسمه وكامل أوصافه وبصورته دون تلميح بل بصريح العبارة: هو عبدالله المبارك من الخطوة الأولى إلى المثوى الأخير.. منذ ذلك اليوم الذي طالع اسمها في كشف الفائقات في الصف الأول ثانوي فاختارها، إلى اليوم الذي طالعت وجهه للمرة الأخيرة وهو يذهب إلى جوار ربه..

وعندما  نعقد مقارنة بين رسائل سعاد ورسائل غادة... نجد أن رسائل الكتابين مكتوبة بحبر العشق وأقلام الشوق ومادة الولة.. ومرصوفة على ورق الحب.. لنجمتين لامعتين في سماء الأدب العربي.
كتاب أعدته سعاد الصباح، وآخر أعدته غادة السمان.
وعندما يخضع الكتابين للنقد الفني.. تخرج غادة من مادة الحديث ولاتحضر إلا كملهمة محبوبة أثيرة يلاحقها كاتب عربي شهير، هو ليس زوجها.. بل إنه متزوج من امرأة ويبرر لامرأة أخرى  خيانته.. حيث يبلغ إعجابه مداه في الكاتبة ويتمدد على مدى صفحات الإصدار الذي أثار ضجة كبيرة وهو يقول لها: (بوسعك أن تدخلي إلى التاريخ ورأسك إلى الأمام  كالرمح. أنت جديرة بذلك(

على الجانب الآخر.. تأتي سعاد في مادة الحديث كمحبة وزوجة وفية وعاشقة لرجل هو زوجها.. تبدأ كتابها كأنها تبتهل: (إنه الوضوء بمياه ضوئك) باعتباره  كتاب وله وشوق منها إلى حبيب غاب تحضره بكلماتها ونبضها وقلبها
أما رسائل "غادة".. فما هو إلا كتاب وله وشوق وعذاب من حبيب غاب إليها.. ليؤكد حضورها.. ويرسخ تميّزها..
سعاد تركت ماتحتفظ به بين أوراقها من رسائل الزوج إليها.. وجمعت مااحتفظ به هو من رسائلها.. فأعادت بث أشواقها الخاصة إلى العلن.
غادة.. فتشت بين أوراقها تلك الأوراق التي تحمل لواعج الأديب المتيم فبث أشواقه الخاصة إلى العلن!

وتشير الدكتورة نورية الرومي الى ان سعاد الصباح كانت سباقة في عصرها عندما تحدثت عن حبها لزوجها.. (الابداع في مواكب الثقافة العربية ص 48)

وفي دراسته التي حملت عنوان: (صوت الآخر في شعر سعاد الصباح) يتحدث د.تركي المغيض عن الحبيب الذي يدخل في باب "النمذجة" كما صورته سعاد الصباح في شعرها.. تحت عنوان: (الرجل الرمز)
(.. وجاء وصفها لزوجها ليس باعتباره زوجا فقط، وإنما كونه يجسد آمال وتمنيات المرأة في الرجل. ولذلك فقد تجاوزت سعاد الصباح في تقديمها لصورة هذا النموذج الذاتية إلى خلق حالة موضوعية، وانتقلت من الحديث عنه كزوج إلى الحديث عنه كرمز.
والمتتبع لسيرة الشيخ عبدالله المبارك مع الشاعرة يدرك مكانته في حياتها فهو الذي أعطاها الحرية وفتح لها باب الحوار مع موهبتها الشعرية وهو من ركب لها أجنحة تحلق بها في عالم الأدب والشعر، وهو الذي هيأ لها فرصة البلوغ إلى أعلى المراتب العلمية والأكاديمية في حياتها, أضف إلى ذلك ما كان للشيخ من مزايا الرجل الحاكم الذي كان له دور كبير في دولته.
يتابع "المغيض": ومن أكثر القصائد تحديدا لملامح الرجل الزوج و الرمز وهو على قيد الحياة قصيدة "هل نسيتم"؟ صاغتها الشاعرة تحت تأثير ظرف محدد ولذلك نجدها تركز على الجوانب العامة الإنسانية في شخصيته:
كان في معشره صدرا حنونا
وسنى..  يبهر بالحب العيونا
وندى كالغيث في كف السماء
وإباء ألمعي الكبرياء
وله قلب الصغار الأبرياء
كله خير وطهر ووفاء
أنسيتم أنه صقر الخليج..
مُشرق الطلعة .. فواح الأريج

وواضح أن سعاد الصباح هنا – حسب المغيض – لم تركز على عبدالله المبارك كزوج وإنما كرجل رمز ومعلم و وطني مخلص ، وقد تحدثت عنه في كتاباتها وحواراتها كثيرا، فتقول عنه بأنه "رجل حضاري بكل معنى الكلمة، يؤمن بالعلم والمعرفة، وبحق المرأة أن تشق طريقها على قدم المساواة مع الرجل، وإذا وصلت إلى ما وصلت إليه من المعرفة فإن عبدالله المبارك كان وراء مجدي وانتصاراتي".
 (علي المسعودي حمامة السلام – ص 91 ومايليها)
يكمل المغيض: وهي لاتجد سواه في حالات الحزن والأسى عندما فجعت بابنها، فتهرع إليه باحثة عن الحنان والحب لأنها لاتملك - وتؤكد الشاعرة على التملك - إنسانا وحبيبا وأما وأبا وحضنا سواه:
(لاتلمني ياحبيبي إن توالى ألمي
واكتست نضرة أيامي بلون الظلَمِ
ولمن أشكو عذابي؟ وعلى من أرتمي؟
أنا لا أملك إلا أنت من معتصم..
أنت أمي وأبي.. أنت حبيبي توأمي.. (من ديوان إليك ياولدي)

وتخاطب الرجل الرمز الذي كان يحمل وطنه في قلبه أينما تغرّب شرقا وغربا، وبعد العودة.. تتحول عندها قصيدة الرثاء في الرجل الرمز إلى قصيدة في الوطن وتمجيده، وتستغل الشاعرة موعد وفاة الرجل الرمز الذي تزامن مع تحرير الكويت، مما سمح لها بالعوده الى الحديث عن فارسها ودوره في خدمة الوطن وتأثير الأحداث فيه:
يا أيها النسر المضرج بالأسى
كم كنت في الزمن الرديء صبورا
كسرتك أنباء الكويت ومن رأى
جبلا.. بكل شموخه مقهورا

واستطاعت الشاعره – يقول المغيض – بمهارتها الفنية في وصف ما حل بالكويت بسبب الغزو العراقي الظالم أن تؤثّر في المتلقي من خلال رؤيتها بأن الذين
دمروا الكويت لم يدمروه وحده.. بل دمروا تلك الذاكرة التي تتحرك بحرية على أرض الوطن:
غدروا بهارون الرشيد وأحرقوا
كتب التراث وأعدموا المنصورا
عبثوا بأجساد النساء ودنّسوا
قبر الحسين ودمّروا المنصورا
لم يتركوا في الحقل غصنا أخضرا
أو نخلة مسياء أو عصفورا
يا سيدي إن الشجون كثيرة فاذهب لربك راضيا مبرورا
***
ثم تنتقل الشاعرة إلى الاطار العام لصورة الرجل الرمز
تنتقل سعاد الصباح الى الحديث عن الجوانب
 العائلية والفكرية فتقول على الصعيد العائلي:

(أنت السفينة والمظلة والهوى
يامن غزلت لي الحنان جسورا
غطيتني بالدفء منذ طفولتي
وفرشت دربي أنجما وحريرا)

يكمل المغيض: وتركز سعاد الصباح على مستوى التفكير العالي الذي كان يتمتع به الشيخ وتشير - إلى جانب مهم في هذا الموضوع كامرأة تحمل رسالة الدفاع عن حرية المرأة وحقها في التعبير عن رأيها - إلى أن الراحل مع حق المرأة في حرية الرأي و التعبير عن نفسها بصراحة وشفافية ودون شعور بالخوف أو القمع، فمن شعرها:

(وحميت أحلامي بنخوة فارس
لم تلغ رأيا أو قمعت شعورا
الله يعلم يا أبي ومعلمي
كم كنت إنسانا وكنت أميرا
أابا مبارك يامنارة عمرنا
يادرعنا وكتابنا المأثورا)



وللدكتورة سهام الفريح دراسة حملت عنوان (سعاد الصباح وخروجها من سطوة القبيلة) تتناول مدلولات ألفاظ محددة تتكرر في قصائد الشاعرة مثل: أميري، سيدي، مولاي..
حيث ترددت هذه الألفاظ في خطابها الشعري ، وكانت للفظة "أميري" الغلبة في كثرة تكرارها، وقد صادفنا هذه الالفاظ في ديوانها (أمنية) وهو يمثل المرحلة المبكرة في نتاجاتها الشعرية فلا بد أن تكون بدأتها في مخاطبتها زوجها الشيخ عبدالله وهو من كان يملك السطوة والنفوذ في الحياة العامة في مرحلة من توليه لبعض المسؤوليات في البلاد فاستعانت الشاعرة بالمدلول العام لهذه اللفظة ليعبر عن المدلول الخاص المتصل بحياتها، حيث كان يغدق عليها الزوج من فيض الحب، فهو اميرها حبا له وتعلقا به.
لكن الشاعرة تعلقت بهذه الألفاظ وأكثرت من استخدامها بمدلولاتها الخاصة بمضامين الحب (....)
وتتعالى هذه الألفاظ بوضوح في خطابها الشعري في قصيدتها (ابتهالات):
(.....)
ثم تلحقها بلفظة "أميري" من ديوان  أمنية ص 117:

يرسم لي وجه أميري الذي
 سلمني في وحدتي للسهر


وتلحّ لفظة "أميري" على الشاعرة في قصائد عديدة:
يا أميري.. أنت يا أطهر من طين البشر..

(أمنية 95)

تقول في نفس القصيدة:

يا أميري إن حبي لك طفلٌ في الصغر

وتشير د.سهام الفريح إلى أن لفظة (السيد) وردت في قصيدتها (فتافيت امرأة) سبع مرات، ثم لحقتها بلفظة (سيدي) في مطلع كل مقطع (سيدي، سيدي) وتعود إليها في مقطع آخر وبنفس التكرار (سيدي، سيدي) الديوان/ 37-48

وحين جاءت بلفظتي (سيدي) (وحبيبي) لم تستغن عن هذه اللفظة في قصيدة (وحدي)

يا أميري، أنت يا من كنت للروح شقيق
أنت كنزي من الرحمة والحب الرقبق
ياحبيبي وسيدي وأميري

- أمنية 74

وتستمر الشاعرة في إعلان استسلامها وخشوعها لهذا الحبيب في قصيدة (خطاب):



(مولاي إن جاء هذا الخطاب..)

وتقول:

(مولاي قلبي في انتظار الجواب..)


هكذا تستعرض د.سهام سطوة مفردات الحب الذي تعلن فيه الشاعرة خضوع قلبها الكامل لحبيبها وأميرها وزوجها، وهو الخضوع بمعناه الإيجابي الذي يأخذ شكل الحب الكامل الشامل... (الابداع 226- 229)


فالحب – حسب رأي د.مختار محمود محمد – يغير الكون بقوته السحرية، حيث يحوّل الليل إلى فجر والخريف إلى ربيع، ذي ألوان وبهجة وسعادة، ولذلك نجدها تخاطب هذا الحبيب في قصيدتها "أنت":

لولاك ماغنت طيور الربى
ولا حلا في الليل طول السهر
ولا تهادى النجم في أفقه
ولا زها في الليل ضوء القمر
ولا تناغى نغم حالم
صفا به العيش وطاب السمر


ويخلص د.مختار في دراسة له حملت عنوان (بين الأمنية والحلم) إلى أن أثر هذا الحبيب واضح في شعر سعاد الصباح ( الإبداع - ص 257)

***

وتظل سعاد الصباح حالة خاصة ونادرة من الوفاء.. يمكن استنباطها من تتبع صورها الكثيرة على مدى تاريخها وهي تقف دوما إلى جانب عبدالله المبارك بشخصه، ثم إلى جانب صوره الكبيرة التي تتصدر القصر الأبيض .. بعد رحيله!

الرجل.. النموذج


بقلم: ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺴﻌﻮدي






ﻣﻦ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻘﺎءات اﻟﻤﺮﺷﺤﯿﻦ ﻟﻌﻀﻮﯾﺔ ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﺔ؛ ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ أو اﻟﺠﺪﯾﺪة، ﺳﯿﻠﺤﻆ ﺣﺘﻤﺎ أن اﺳﻢ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺮاﺣﻞ
ﻋﺒﺪاﷲ اﻟﻤﺒﺎرك اﻟﺼﺒﺎح -ﻃﯿﺐ اﷲ ﺛﺮاه- ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﺼﯿﺐ اﻷﺳﺪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺮددت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻮارات واﻟﻠﻘﺎءات
واﻟﻨﺪوات، ﻛﻨﻤﻮذج ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺗﺨﻠﻰ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﺑﻄﻮﻋﮫ وإرادﺗﮫ واﺧﺘﯿﺎره، ﻋﻨﺪﻣﺎ رأى أن ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺑﻼده ﺗﺤﺘﻢ ذﻟﻚ
اﻟﺨﯿﺎر اﻟﺼﻌﺐ، ﻣﻊ ﻋﻠﻤﮫ أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻤﻠﻚ اﻟﺤﻈﻮة واﻟﺘﻘﺪﯾﺮ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻣﻦ أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻛﺎﻓﺔ، وﻣﻦ ﻛﻞ أﻃﯿﺎف اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ،
ﺣﯿﺚ اﻣﺘﺪت ﻋﻼﻗﺎﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ﻛﺮﺟﻞ ﻗﻮﻣﻲ ﯾﺸﺠﻊ اﻟﺤﺮﯾﺎت وﯾﺘﺒﻨﻰ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮوﺑﻲ، ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺘﮫ اﻟﻮﻃﯿﺪة
ﻣﻊ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ، وﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺘﮫ ﻣﻊ ﻛﻞ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻗﯿﺎدات وﺷﻌﻮﺑﺎ،
واﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﮭﺎ ﺑﺘﻌﺒﯿﺮه ﻋﻦ اﻟﻤﺤﺒﺔ ﻷﻣﺘﮫ، ﺑﺈﻟﻐﺎء ﺗﺄﺷﯿﺮات دﺧﻮل اﻟﻌﺮب إﻟﻰ اﻟﻜﻮﯾﺖ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﺗﻮﻟﯿﮫ ﻣﻨﺼﺐ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ
اﻟﻜﻮﯾﺖ، ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ اﻻﻣﺘﺪاد واﻟﺮﺳﻮخ ﻟﻢ ﯾﻌﺠﺐ اﻟﻘﻮى اﻟﻌﻈﻤﻰ، وﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﮭﺎ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ، اﻟﺘﻲ ﺳﻌﺖ إﻟﻰ إزاﺣﺘﮫ وﻣﻀﺎﯾﻘﺘﮫ
ﺑﻜﻞ اﻟﻄﺮق ﻛﻲ ﻻ ﯾﺘﻮﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﯾﺖ، وﻷﻧﮫ ﻧﮭﻞ اﻟﺤﻨﻜﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺒﺎرك اﻟﻜﺒﯿﺮ، ودرس اﻷوﺿﺎع،
اﺧﺘﺎر أن ﯾﻌﺘﺰل اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ، وﯾﺘﺮك اﻷﻣﺮ ﻃﻮﻋﺎ ﻟﻤﻦ ﯾﻜﻤﻞ اﻟﻤﺴﯿﺮة ﻣﻦ ﺑﻌﺪه، واﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺔ ﻣﻠﯿﺌﺔ
ﺑﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ وذﻟﻚ اﻟﺤﺪث، وأﻇﻦ أن اﻟﺸﯿﺨﺔ د.ﺳﻌﺎد اﻟﺼﺒﺎح ﺗﻤﻠﻚ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻨﮭﺎ.
اﻟﻤﺮﺷﺤﻮن رددوا ھﺬا اﻻﺳﻢ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻛﺄﻧﻤﻮذج ﻓﺬ ﻟﻠﺘﻀﺤﯿﺔ، واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮار اﻟﺤﻜﯿﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﺗﻤﺎﻣﺎ..
وھﻮ ﻓﻌﻞ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻹﻋﺠﺎب وﻻ ﯾﻘﺪم ﻋﻠﯿﮫ إﻻ ﻗﻠﺔ ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس..
ﻛﻢ ﺗﺤﺘﺎج اﻟﻜﻮﯾﺖ إﻟﻰ أﻣﺜﺎل ﻋﺒﺪاﷲ اﻟﻤﺒﺎرك اﻟﺼﺒﺎح، اﻟﺬي ﺗﺮك ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ذرﯾﺔ ﻃﯿﺒﺔ ﺗﺸﺒﮭﮫ، ﻓﺎﻷرض اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ دوﻣﺎ ﯾﺄﺗﻲ
زرﻋﮭﺎ ﻣﺒﺎرﻛﺎ، وﺛﻤﺎرھﺎ ﻣﻦ أﻃﺎﯾﺐ اﻟﺜﻤﺮ.. وﺻﺪﻗﺖ أم ﻣﺒﺎرك إذ ﻗﺎﻟﺖ ﻋﻨﮫ:
ﺻﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻷﺣﺮار أن ﯾﺴﺘﺴﻠﻤﻮا
ﻗﺪر اﻟﻜﺒﯿﺮ ﺑﺄن ﯾﻈﻞ ﻛﺒﯿﺮ






نشر في جريدة الكويتية

٢٠١٢/‏٥/‏٢٤




إشراقات من سيرة صقر الخليج الشيخ عبدالله المبارك الصباح رحمه الله


بقلم: صالح سلمان العشان الخالدي





بتاريخ 15/6/1991 رحل عنا المغفور له الشيخ عبدالله المبارك الصباح وكانت حياته حافلة بالإنجازات والعطاءات ومع ان العصر قد انقضى ورحل إلا ان سيرته تظل معنا رحمه الله.
والدروس التي نستلهمها من أحداثه تظل نبراسا لمستقبل كويتنا وهاديا لشبابها، فكان رحمه الله مقداما لا يهاب الأخطار وسيرته مفعمة بالأحداث التي تشير الى شجاعته الشخصية، فحياة هذا الرجل هي قصة أحد أبناء الكويت الذين نذروا حياتهم من اجل الوطن، وقصة عبدالله المبارك الصباح، طيب الله ثراه، نموذج للاعتداد بالذات وللانتماء للشعب والوطن، فيا شباب الكويت انهلوا من سيرة هذا الرجل فستجدون في صفحاتها ما يثير الهمة ويقوي الإرادة ويدعم الحماسة والتصميم وقد كانت حياته صعبة جدا ولكنه نجح وسعى وأسس كويتنا الحديثة وأرسى دعائمها في شتى المجالات ويكمن هذا في حب الوطن والانتماء إليه والثقة في مستقبله والاعتقاد برسالة الكويت كنموذج سياسي واجتماعي جدير بالاقتداء. واذا تصفحنا حياته، رحمه الله وأخذنا من بعض ومضات سيرته المختلفة نجد في مجال التعليم وخلال ترؤسه لمجلس المعارف أسس القوانين التعليمية ومنها العقود الجديدة للمدرسين ووضع القواعد الخاصة بتنظيم الموسم الثقافي وتعميم مياه الشرب على جميع المدارس بالقرى والاشتراك في معسكرات الكشافة في الخارج وإشراك الكويت في المؤتمرات العالمية وفي هيئة اليونسكو، فهو رجل خلص الكويت من ظلام الجهل ويؤمن إيمانا صادقا بأن التعليم والتربية يسهمان في تكوين الأمم والشعوب وبأن سلامة الكويت من اي خطر خارجي او مرض داخلي تتطلب أولا وقبل كل شيء التخلص من الجهل والظلام الذي يفتك بالعقول وكذلك مساهماته في الطيران المدني فقد أسس قطاع الطيران المدني واعتبره احد مظاهر الحياة الحديثة الذي ينبغي ان تشارك فيه الكويت، لهذا افتتح عام 1953 نادي الطيران الكويتي ومدرسة الطيران وتم شراء 4 طائرات تدريب لاستخدام اعضاء النادي، وقد أدرك مبكرا ان العلاقات مع الدول امن لوجودنا وعامل دعم لجهود التنمية فقد سعى الشيخ لإقامة علاقات مع شتى دول العالم في شتى الميادين واستخدم هذه الورقة بتسليح الجيش الكويتي بشتى الأسلحة وفي عام 1949 أمر بتوفير الطعام والسكن للحجاج على نفقته الخاصة وفي عام 1959 ألقى الشيخ كلمة بثتها إذاعة الكويت ذكر فيها ان إقامة الجمهورية العربية المتحدة هي حدث تاريخي عظيم في حياة الأمة وأعلن اليوم التالي إجازة رسمية وله الفضل والدور الأساسي في توحيد العالم العربي فقد كانت الكويت أول دولة عربية تنفذ قرارات الجامعة العربية برفع الحواجز الجمركية بينها وبين الدول العربية وله مواقف عديدة في تصفية الخلافات العربية وتوحيد صفوف الأمة، كذلك لا ننسى دور زوجته الشيخة سعاد الصباح فكان لها الدور العظيم في مسيرته العظيمة فقد كانت ناقدة وشاعرة ونالت شهادة الدكتوراه وكان عنوان رسالتها «التنمية والتخطيط في الكويت»، وقد أسست مسابقات عدة لتشجيع الشباب العربي على الإبداع الأدبي والعلمي.
هذه بعض ومضات من سيرة صقر الخليج، طيب الله ثراه، نذكرها للتزود والاستفادة منها حتى تكون نبراسا لشباب الكويت في الهمة والحماس وسيبقى اسمك يا شيخنا منارة عالية فإلى جنات الخلد.



نشرت في جريدة الأنباء الكويتية

28 مايو 2011

http://www.alanba.com.kw/absolutenmnew/templates/local2010.aspx?articleid=199492&zoneid=14&m=0



صقر الخليج.. السيرة المختصرة





الشيخ عبد الله المبارك الصباح
(23 أغسطس 1914م - 15 يونيو 1991م)
نائب حاكم الكويت بفترة حكم الشيخ عبد الله السالم الصباح
وهو أصغر أبناء الشيخ مبارك الكبير

عمل مساعداً للشيخ علي الخليفة في دائرة الأمن العام ثم أصبح مديرا للدائرة نفسها عام 1942م

وبعدها عين قائداً للجيش الكويتي عام 1954م
إستقال من جميع مناصبة عام 1961م وقرر عدم الاستمرار في الحياة السياسية.


نشأته وحياته
ولد في مدينة الكويت في 23 أغسطس1914م وتوفي والده وهو بعمر السنة وتولى أخوه حمد المبارك الصباح شئون تربيته ودرس في البداية بإحدى الكتاتيب وبعد ذلك إنضم لصفوف المدرسة المباركية

الشيخ عبدالله المبارك الصباح يسار الصورة

في الثانيه عشرة من عمرة شارك في حراسة بوابة الشامية إحدى بوابات سور الكويت كما عمل مساعداً للشيخ علي الخليفة العبدالله الصباح مديراً لدائرة الأمن العام وتولى مسئولية مكافحة أعمال التهريب والإشراف على البادية.

بعدها عين مديراً لدائرة الأمن العام عام 1942م وذلك بعد وفاة الشيخ علي الخليفة وأنشئ إدارة الجوازات والسفر عام 1949م

تولى مهام نائب الحاكم في عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح وإمتد نشاطة إلى العديد من المجالات
فأسس محطة إذاعة الكويت عام 1952م
ثم أسس نادي الطيران ومدرسة الطيران عام 1953م
ودائرة الطيران المدني بعام 1956م
كما إنه الرئيس الفخري للنادي الثقافي القومي

في عام 1959م دمجت دائرتي الشرطة والأمن العام في دائرة واحدة تحت رئاسته

من اليمين: السير فيليب ساوثويل والشيخ عبد الله المبارك الصباح والسيد عبد الله ملا صالح سكرتير الشيخ عبدالله السالم الصباح

وهو يعد أحد واضعي اللبنات الأساسية في بناء القوات المسلحة الكويتية منذ تعيينه قائداً عاما للجيش عام 1954م

وهو الذي دعا لإنضمام الكويت لجامعة الدول العربية عام 1958م وألغى تأشيرات الدخول بالنسبة للعرب رغم معارضة الوكيل السياسي البريطاني.

في 25 أبريل1961م استقال من جميع مناصبة وقرر عدم الاستمرار بالحياة السياسية ولكي يؤكد أن قراره نهائي أقام بالخارج حتى بدايات السبعينات حيث عاد للإستقرار بالكويت

من اليمين الشيخ جابر الأحمد - الشيخ عبدالله المبارك - الشيخ عبدالله الأحمد - الشيخ خليفة العلي - صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله

كانت له علاقات مع العديد من الشخصيات العربية منها الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود والرئيس جمال عبدالناصر والرئيس أنور الساداتوالرئيس سليمان فرنجية ورئيس وزراء لبنان عبد الله اليافي وغيرهم.

تزوج الشيخ عبدالله المبارك الصباح الشيخة سعاد محمد الصباح
وله من الأبناء مايلي:
1- الشيخ مبارك عبد الله المبارك الصباح (ولد عام 1961م وتوفي عام 1973م)
2- الشيخ محمد عبد الله المبارك الصباح 
3- الشيخ مبارك عبد الله المبارك الصباح
4- الشيخه أمنية عبد الله المبارك الصباح
5- الشيخه شيماء عبد الله المبارك الصباح

صقر الخليج.. في صور















إلى والدي ومعلمي







                                         بقلم الشيخ : مبارك عبدالله المبارك



أكتب إليك في ذكراك العشرين ذكرى رحيلك عنا ونستلهم من كل ذكرى لك تجدد الحياة وانبعاثك فينا مجموعة من قيم ومبادئ عشنا لأجلها وناضلت وغادرتنا آملاً ان تبقى معنا استمراراً لنهجك وهذا ما عاهدنا الله عليه وعاهدناك.اكتب لك اليوم وفي داخلي يرتسم السؤال! لماذا بعد عشرين سنة على غيابك أكتب؟ وأجيب... انني أكتب لك، نعم لك وليس عنك... فمن كتب عنك طيلة هذه الفترة كان أدق تعبيراً وأكثر عمقاً وصدقاً... انها الوالدة الحنون... رفيقة دربك وشريكة حياتك... هي من كتب ما يليق بك وبتاريخك مخزوناً من الكتب والمقالات وقصائد الشعر في حياتك وبعد غيابك... والتي كنا نستشرف في كل خاتمة من خواتيمها اننا على موعد مع المزيد مما يزخر به تاريخك ويفيض به قلبها وقلمها.*أكتب لك يا والدي... يا من سكنت القلب وكان لك من العقل والفكر الحيز الأكبر. تأخرت... نعم تأخرت... ولكنني اليوم وفي هذه الظروف التي نعيشها أراني أعود لأبدأ من جديد، أفكرُ بصوتٍ عالٍ، وأقول... ما أحوجنا في هذه الأيام إليك؟ يا من كنت رجل المرحلة في كل محطة من محطات هذا الوطن الذي كان بالنسبة لكَ الأبُ والأمُ، الحلمُ والحقيقة، الحاضر والمستقبل. أستذكرك ياوالدي في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها الأمة العربية والتي كانت وحدتها بالنسبة إليك... الحلم الذي يجب ان نعمل من أجل تحقيقه. لكن يا والدي ما نراه... يباعد كثيراً بين الحلم والحقيقة، خصوصاً في ظل الغموض الذي يلف بعض الأقطار العربية، والتفكك الذي ينذر بتفتت الأوطان وفي ظل استئساد العدو الاسرائيلي... ولكن هناك قبس من نور يضيء قليلاً هذا الليل المظلم وهو ثورة الشباب الذي يتوق إلى التغيير ويصبو إلى الانعتاق من تخلف بعض الانظمة والعبور إلى الدولة العادلة القادرة الحاضنة لكل ابنائها والمؤمنة بحق شعوبها بالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان وإفساح المجال أمام الكفاءات الشابة لخدمة المجتمع بروح عصرية مبدعة بعيداً عن الخوف من الأجهزة القمعية التي ما زرعت إلا الفساد والتخلف والتعمية عن الحقائق.رهانك يا والدي كان على الشباب أوليتهم قسطاً كبيراً من* اهتمامك وقد كنت تعمل جاهداً على خلق جيل واعٍ متعلم يكتسب الخبرات ويتولى مراكز قيادية في مؤسسات الدولة من خلال تشجيعك للعلم والمعاهد المتخصصة في ميادين عدة، وبعد تركك كرسي الحكم بهدوء وكرامة وعزة نفس كنت ترسل البعثات الشبابية ولا تفرق بين ذكر أو انثى على حسابك الخاص وسجلت ذلك في وصيتك. استذكرك يا والدي اليوم وانا أرى قادةً تمارس أبشع انواع الإجرام بحق شعوبها، تدمر مؤسسات الدولة ومقدرات الشعوب وتستحضر كل انواع الأسلحة الدينية والمذهبية والفئوية وتشعل حروبا أهلية. كل ذلك من أجل المحافظة على السلطة غير آبهين بما سيؤول إليه مصير بلدانهم... وأقول ما أحوجَنا إلى عبدالله المبارك* ثانٍ - هذا الرجل الذي عاش كبيراً وتولى أرفع المناصب القيادية وكان قادراً ان يحتفظ بسلطاتها حتى آخر أيامه، لكن إيماناً منه بالحفاظ على الوطن بكل أطيافه متماسكاً منيعاً، تخلى عن كل شيء إلا وطنيته، وسلم الأمانة لغيره، كي يكمل المسيرة، ولم يتخلَ عن حبه للوطن ومواطنيه، بل كان حتى في غربته يحمل وطنه في قلبه وضميره أينما حل، ممارساً دوره في خدمة الوطن والكويتيين بما يمليه عليه الواجب. وقد حاول أكثر من حاكم ان يغير قناعاتك تجاه أهلك ووطنك ولكنك رفضت وقلت لهم انا لا أكون في يوم من الأيام خنجراً في ظهر أهلي ووطني فاحترموك. كنت كبيراً في كل شيء وما بين قسوتك وتسامحك، ميزانك العدل في الرعية أبداً كنت حازماً في قراراتك حيث يقتضي الحزم والشدة ورقيقاً عطوفاً على الجميع بلا تفرقة يوم تكون الحالة الاجتماعية أولوية تساعد وتعطي بلا منة، شملت بعدلك ورعايتك جميع أبناء هذا الواطن حتى المقيمين كانوا يرون فيك عوناً لهم وملاذاً، كنت عفيف اللسان فلم ترضَ ان يتكلم على أهلك ووطنك أحد في مجلسك وقد حاول كثير من الصحافيين استدراجك رغم انك كنت في الستينات تمسك زمام الصحف في بيروت ولكنك رفضت ان يذكر أهلك ووطنك بسوء أو ان تمس كرامة أحد. ثلاثون عاماً وانت خارج الحكم والكويت وأهلها في قلبك.ديوانك كان صورة مصغرة عن مجتمع الكويت يضم كل فئات النسيج الوطني، ما كنت تفرق بين بدو وحضر أو بين عائلة وأخرى تحترم الجميع وتساعد الجميع، أردت من ديوانك ان يكون الجامع الموحد المنتج وكثيراً ما أُتخذت قرارات مهمة وتوحدت رؤى في مصلحة هذا البلد من ضمن التجمع الذي كنت تقيمه.تلك كانت نظرتك لأي تجمُّع وملتقى وإلا فلا حاجه لهُ. تَجَمُع بعيد كل البعد عن التكتلات السياسية الصغيرة أو الفئوية الضيقة التي تزرع الشقاق والتنافر، ترفض الصراخ والصوت العالي لانك تؤمن بالإصلاح الهادئ والتبصر في كل الأمور كبيرها وصغيرها فعندما تكون مصلحة الوطن هي الأساس فلا صوت يعلو على صوت الحكماء الذين يعرفون أين تكمن هذه المصلحة. وإيمانك مطلقاً بان من رسمت ملامحه شمس الصحراء ورمالها وحددت معالم شخصيته طبيعة البادية وأصالتها، وعانى من الظلم ما عاناه وناضل في سبيل حرية بلده واستقلاله، ودفع في سبيل وطنه الغالي والنفيس، لايمكن ان يكون في يوم من الأيام أسير مصالحه الشخصية وأطماعه السلطوية بل الحامي لهذا الوطن كل الوطن بكل فئاته ومقدراته. والدي الحبيب. أشتاق إليك اليوم... كما في كل يوم... ولكن لانها الذكرى، أردت ان أعبر عما في داخلي. لقد ذقت مرارة يُتم الأب صغيراً ولكن ليس مثلك... فانت الذي لم يذق طعم الأبوة منذ عامه الأول، واجهت الحياة وحيداً بحلوها ومرها... مقداماً... كنت تخوض غمارها تواجه المصاعب والمطامع... وما أكثرها كانت من حولك، رغم ذلك أغدقت علينا بحنانك وعطفك وأعطيتنا مالم يعطه الكثيرون ممن عاشوا في كنف أهلهم. وانشأت عائلة متماسكة تسير على خطاك في كثير من الأمور، برعاية الوالدة التي ساعدتها ان تكون كما هي في مجالات التعليم والاجتماع، سيدة قوية تحملت المسؤولية الكبيرة بجدارة وأكملت المسيرة بما أتيح لها من مجالات وأَوْلَت اهتمامها ما كان يهمك في مجال التعليم وخلق جيل واعٍ سلاحه العلم والمعرفة. وأحاطت عائلتك برعايتها وحنانها وحكمتها حتى توصلها إلى الطريق الذي رسمته انت لنا ولأبنائنا بكل صدق وأمانة. والدي الحبيب أعاهدك على إكمال المسيرة مهما واجهتنا الصعاب وان أكون كما أردتني. وان خالفتك في بعض النصح ولكن أعلم ان روحك ستسامحني. خالفت رغبتك ودخلت الحياة العسكرية لانني مؤمن بها مدرسة للولاء والانضباط وعدت إلى رغبتك في تحصيل العلم إلى أعلى الدرجات ووصلت إلى حيث انا وأعلم انك ستغفر لي فقد أحببت النهج الذي تربيت عليه انت وأحببت فيك روح القائد وصورتك باللباس العسكري ودخلت مرحلة كنت أتمناها ولو تشبهاً ببعض مزاياك. والدي الحبيب، أكتب إليك هذه الكلمات وأقول باسمي وأهلي وجميع محبيك اننا على خطاك سائرون، ولا خوف على وطن يؤمن به أبناؤه. سيدى أقبل جبينك الموسوم بجرح غائر من أحد معاركك في الصحراء تدافع عن حدود الوطن وتذود عن سياجه... وطن هو وطن آخر في قلبك... رحمك الله

الاربعاء 15 يونيو 2011